عندما توفي والده وهو في التاسعة من عمره، لم يترك له ولأسرته، وهو التاجر المتوسط، شيئا سوى المنزل الذي يقطنه في وسط سوق دبي، فلم يبق لمحمد بن عبد الله القرقاوي سوى اللعب في أزقة السوق، والحلم بما يحمل له المستقبل. غير أنه بالتأكيد لم يكن يعلم، أو تحديدا يتوقع، أن تطوف به السنون ليصبح وزيرا، وفي نفس الوقت رجل اقتصاد يدير واحدة من أكبر الشركات في المنطقة. ولم يكن القرقاوي إلا واحدا من عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين، كان من الممكن أن يبقى كذلك طويلا، لولا أن «عين» الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، اصطادته من بين هؤلاء الآلاف، واختاره عبر برنامج سري لتقييم الموظفين. وهنا يقول القرقاوي «كانت بالفعل مفاجأة، فلم أكن أعلم أن شخصية بحجم الشيخ محمد بن راشد تتابعني شخصيا.. لكن هذا ما حدث».
وإذا كان الكثيرون يعرفون ويسمعون عن مجموعة دبي القابضة، وهي الذراع الاستثمارية لحكومة دبي، فهم بالتأكيد يجهلون البداية الفعلية لشركة تصل قيمة مشاريعها نحو 100 مليار دولار، والبداية كانت عبر مغامرة قام بها فريق إماراتي شاب يقوده القرقاوي عندما نفذوا رؤية حاكم الإمارة بإنشاء مدينة دبي للانترنت ومدينة دبي الإعلامية. وعندما أراد هذا الفريق تأسيس شركة تجارية لإدارة المدينتين، طلبوا قرضا حكوميا لكن ذلك لم يحدث، فاضطروا إلى مخاطبة بنك «أتش.أس.بي..سي» hsbc، وهو الوحيد الذي وافق على إقراضهم 200 مليون درهم (نحو 55 مليون دولار).
كانت هذه هي البداية الفعلية للمجموعة المليارية الحالية، وغني عن القول إن كثيرين يعتقدون أن المجموعة بدأت بدعم حكومي، لكن الحقيقة تشير إلى أن مخاطرة على مستوى عال، ورغبة جامحة في النجاح، كانت هي البداية الحقيقية لشركة بحجم دبي القابضة.
يبتسم القرقاوي، وهو يتذكر أنهم وبعد تأسيس المدينتين (الانترنتية والإعلامية) استأجروا مكاتب لإدارة عملهم الجديد، ولم يكن المبنى فقط هو من استأجروه، بل أيضا الأثاث المكتبي هو الآخر كان مستأجرا، ولمن يسأل لماذا هذا «التقتير»، فإن الإجابة هي لأن قرض الـ200 مليون درهم كان يشكل هاجسا كبيرا لإدارة الشركة.. وأراد الفريق الشباب أن يستفيد من كل «فلس» للوصول إلى تسديد المبلغ من دون أية مغامرة غير محسوبة، وهو ما تمكنت منه إدارة الشركة بصورة سريعة.
«دبي القابضة» تشرف على التوجهات الاستراتيجية لنخبة من الشركات الكبرى التي تنشط في قطاعات متنوعة تتضمن الاستثمارات والخدمات المالية، والرعاية الصحية، والتقنيات الحيوية، والسياحة، والإعلام، والتكنولوجيا، والتطوير العقاري، والصناعة، والطاقة. وتضم المجموعة 170 شركة، ويعمل لديها أكثر من 34 ألف موظف.
وبعد «دبي القابضة» تم تعيين محمد القرقاوي أمينا عاما للمجلس التنفيذي لدبي، (الحكومة المحلية)، ثم كان له موعد مع المكتب التنفيذي لدبي، حيث يقوم هذا المكتب بالإشراف على الاستراتيجيات والخطط والدراسات التي تعرض على حاكم دبي.
وعندما تسلم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم سدة رئاسة مجلس الوزراء في دولة الإمارات في مارس (آذار) عام 2006، عين القرقاوي وزيرا لشؤون مجلس الوزراء، وهو يقود عمليات تطوير استراتيجية الحكومة الاتحادية، كما يشرف على آليات التنفيذ وتحسين الأداء.
وإذا كان القرقاوي يتقلد ثلاثة مناصب رسمية، هي رئيس مجلس إدارة دبي القابضة، ورئيس المكتب التنفيذي في دبي، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، فإنه عضو في الكثير من المؤسسات والمجالس الحكومية، منها، على سبيل المثال لا الحصر، أنه نائب لرئيس جهاز الامارات للاستثمار ونائب لرئيس المجلس الوطني للإعلام (وزارة الاعلام). لكن القرقاوي يستغرب من سؤاله عن كيفية تمكنه من إدارة كل هذه الأعباء في نفس الوقت، فهو يرى أن 24 ساعة يوميا، كفيلة بأن ينجز منها الانسان الشيء الكثير، ويبقى منها أيضا الكثير للهوايات والأسرة. ويقول «كنا نسأل الشيخ محمد بن راشد نفس هذا السؤال، كيف يمكن له القيام بكل هذه الأعمال بكفاءة واقتدار؟ فكان الرد بأن تنظيم الوقت، كفيل بأن يعطي كل عمل حقه». ويزيد القرقاوي «وهو ما أسير عليه وأجد وقتي غير مزدحم إطلاقا»، تابعا بذلك خطوات أستاذه الشيخ محمد.
القرقاوي قاد وأشرف على تنفيذ العديد من المبادرات والمشاريع بما في ذلك مدينة دبي للإنترنت، ومدينة دبي للإعلام، ومهرجان دبي للتسوق، ومفاجآت صيف دبي، وبرنامج محمد بن راشد لإعداد القادة. كما قاد برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز الذي حقق تحولاً نوعياً في أداء الحكومة وعزز من موقعها كنموذج إقليمي للتميز.
أطلق القرقاوي جائزة دبي للجودة، التي تدعم عمليات التميز في مختلف شركات ومؤسسات دبي. وعلى المستوى الإقليمي، القرقاوي هو رئيس مجلس الإدارة المؤسس لمنظمة القيادات العربية الشابة. كما يتولى القرقاوي منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، التي تمتلك وقفاً بقيمة 10 مليارات دولار. شغل القرقاوي سابقاً عدة مناصب مهمة، من بينها الأمين العام للمجلس التنفيذي لحكومة دبي، الذي يتولى قيادة عمليات تخطيط وتنفيذ استراتيجيات حكومة دبي في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما تولى منصب رئيس مجلس إدارة هيئة دبي للاستثمار والتطوير، والعضو المنتدب في مؤسسة دبي للإعلام.
وللقرقاوي إسهاماته المتميزة في مجال التنمية الاجتماعية، حيث قام بتأسيس مركز دبي للتوحد، واتحاد الإمارات لرياضة المعاقين، وكان قد شغل منصب نائب رئيس نادي دبي للمعاقين.
حصل القرقاوي على الوسام الملكي المغربي من العاهل المغربي محمد السادس، والجائزة الأميركية للأعمال من المجلس الأميركي للأعمال بدبي.
القرقاوي لا يفضل لقب «معالي الوزير» ويفضل أن يناديه الناس «محمد» أو «أبو سعيد» أو «القرقاوي»، ولديه أيضا ابنتان هما آمنة وهي الكبرى، وروضة. وعندما سألت القرقاوي، كيف تجد وقتا تقضيه مع عائلتك، أجاب بأن لديه وقتا طويلا يقضيه (يوميا) مع العائلة، مضيفا «لا أجد أية مشكلة في تنظيم وقتي ما بين العمل والعائلة، وهذا ما أفعله ولم أتذكر أنني قصرت في أداء واجباتي العائلية». ومن مكتبه في الدور السادس والثلاثين في المكتب التنفيذي، يطل على دبي، ويرى من بعيد المنطقة التي كان يقطن بها وهو صغير، ويقول «كلما جلست مع محمد العبار (رئيس مجلس إدارة إعمار العقارية)، نتذكر كيف كنا صغارا نلهو نلعب، وغاية طموحنا أن نتقلد منصب مدير إدارة، قبل أن تسير بنا الحياة إلى ما نحن فيه.. إنه الطموح والجد والمثابرة تصل بالانسان إلى آفاق غير منظورة».
وقبل أن أغادر مكتب القرقاوي، وهو بالمناسبة لا يتجاوز مساحة مكتب موظف صغير بطاولة صغيرة وطقم كراسي لأربعة أشخاص، ويقول إنه لم ولن يغير مكتبه هذا، دخل علينا شاب صغير لا يتجاوز الأربعة عشر عاما، سلم القرقاوي أوراقا مرسلة له من موظف آخر، وعجبت من تشغيل موظف بهذا السن في منشأة تتبع حاكم دبي. وعندما لاحظ القرقاوي استغرابي، دعا المراسل الصغير وقال «هذا سعيد ابني، يعمل من سنتين في الإجازات كمراسل، عمل قبل سنة في مهرجان دبي للتسوق، والآن في عطلة الربيع يقضي إجازته بالعمل مراسلا لدينا». استأذن سعيد مني ومن والده، عفوا رئيسه، ولم أسأل لماذا ابن الوزير يعمل مراسلا، لأني، وأنتم أيضا، عرفنا الإجابة.
وإذا كانت «عين» الشيخ محمد بن راشد، هي التي اختارت القرقاوي ليكون ضمن فريقه الإداري بالإمارة، ثم فريقه الاتحادي عموما، فإن القرقاوي يعترف بأنه لم يأت لأي من المناصب التي تقلدها ليبقى فيه طويلا، «عندما أعمل في أي موقع أدير العمل على أساس أني غير موجود طويلا، لذا فمن الطبيعي ألا أبقى طويلا في أي مكان، فالعمل المؤسساتي لا يحتاج مني البقاء طويلا في أي من المواقع التي عملت بها».
No comments:
Post a Comment